في إطار الجهود المبذولة لاحتواء تفشّي الجائحة المستجدّة، تصدر الحكومات حول العالم أجهزة قابلة للارتداء للمساعدة على مقارعة الفيروس. تريد بعض الحكومات حلّاً تكنولوجياً سحرياً لأزمة الصحة العامة هذه، ولكنّ الكثير من الأدوات التي تهدف إلى حلّ بعض المشاكل تنطوي على مشاكل أخرى قد تقوّض أهداف الصحة العامة التي أدّت إلى اعتمادها، وتخلّف مشاكل غير مقصودة بشأن الخصوصية، وشبكة العلاقات والارتباطات، وحرية التعبير.
هذه الأجهزة الإلكترونية التي تُرتدى غالباً في المعصم أو الكاحل قد تفرض الحكومات استخدامها أو قد تتركه طوعياً (على الرغم من أنّ المستخدمين لا يدركون دائماً ما هو هذا الشيء الذي يُطلب منهم ارتداؤه). وفي حين قد ينتهي الأمر بربط فكرة "الجهاز القابل للارتداء" بساعة ذكية أو سوار مراقبة يوضع في الكاحل، فإنّ الحكومات تجمح نحو استخدام "أساور" المعصم لأغراض متعدّدة خلال جائحة كوفيد-19 المستجدّة.
يمكن للأجهزة القابلة للارتداء أن تستخدم مستشعراً إلكترونياً لجمع المعلومات الصحية من الشخص الذي يرتديها (عن طريق قياس إشاراته الحيوية) وأن تُستعمل لإطلاق تحذير مبكر لتحديد مرضى كوفيد-19 المحتملين قبل أن تظهر عليهم أيّة عوارض. يمكن استخدام هذه الأدوات كذلك للكشف عن قرب الأشخاص من الآخرين أو تسجيل هذه البيانات (من أجل فرض التباعد الاجتماعي)، أو للكشف عن قرب سوار الشخص من هاتفه المحمول الشخصي أو من منارة إرسال مثبّتة بالقرب من منزله أو في داخله (من أجل فرض الحجر الصحي المنزلي).
قد تستعمل هذه الأجهزة، من أجل فرض الحجر المنزلي، تقنية نظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" (GPS) لإبلاغ السلطات بمكان الشخص الذي يرتديها. وقد يستخدم بعضها منارات البلوتوث لتمكين السلطات من تحديد ما إذا كان الشخص الذي يرتديها قريباً من الهاتف الذي يشغّل تطبيقاً لتعقّب أثر مخالطي مرضى الفيروس (وذلك تجنّباً لانتهاك أوامر سلطات الصحة العامة عن طريق ترك الهاتف في المنزل والتجوّل في الخارج). من جهة أخرى، قد يكون بعض هذه الأجهزة عبارة عن أساور ذات تقنية بسيطة لا تحمل إلّا ورقة مطبوع عليها رمز استجابة سريعة (QR code) يصوّره المستخدم بانتظام عبر تطبيق هاتفي بناءً على طلب السلطات (بالإضافة إلى طلبات أخرى لالتقاط صور تفيد بالتزام المستخدم بالحجر الصحّي الإلزامي).
ومثلما هي الحال مع التقنيات الأخرى التي انتشرت من أجل تأدية بعض المهام لمواجهة الجائحة، تختلف الأجهزة القابلة للارتداء فيما بينها في جوانب كثيرة، مثل أن تكون طوعية و/أو تحت سيطرة المستخدم، أو أن تُستخدم لمراقبة المستخدم وتحديد ما إذا كان يلتزم بما طلبته الدولة منه، أو تُستعمل لتزويد المستخدم بمعلومات صحية لمساعدته على اتّخاذ القرار. يخلّف بعض هذه الأجهزة مخاطر كبيرة على الخصوصية، كما أنّها قد لا تتلاءم جميعها مع الهدف الذي أُطلقت لأجله بسبب التسرّع في نشرها.
سنسلّط الضوء فيما يلي على مجموعة من الأجهزة التي تطلب الحكومات من الأشخاص وضعها في المعصم أو الكاحل من أجل مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجدّ.
نظام الإنذار المبكر لتحديد مرضى الكوفيد-19
تقدّم إمارة ليشتنشتاين دعماً مالياً لدراسة طبّية تُسمّى "كوفي-غاب" (COVI-GAPP) تجريها شركة الاختبارات الطبية السويسرية "مركز الدكتور ريش للمختبرات الطبية" ( Labormedizinisches Zentrum Dr. Risch). تطلب هذه التجربة الطبّية الطوعية من 2200 شخص (حوالي 5% من سكّان الإمارة الصغيرة) ارتداء سوار من شركة "آفا" (Ava) لمعرفة ما إذا كان قادراً على تحديد حالات الإصابة بفيروس كوفيد-19 قبل ظهور العوارض (أي قبل ظهور أيّ عارض على المريض). يرتدي المستخدمون ليلاً الأساور التي توفّرها شركة "آفا" الناشئة المتخصّصة بعلاج الخصوبة، بحيث تعمد هذه الأجهزة إلى تسجيل بياناتهم الحيوية مثل الحركات وحرارة الجسم وضغط الدم والتنفّس ومعدّل نبضات القلب. وبعد ذلك، ستدرس هذه التجربة السريرية البيانات الحيوية لمعرفة ما إذا كان بمقدور الخوارزمية أن تحدّد المؤشّرات التي تدلّ على احتمال ظهور عوارض الإصابة بفيروس كوفيد-19 على المستخدم، مثل ارتفاع درجة حرارة الجسم والشعور بضيق في التنفّس والمعاناة من السعال، حتّى قبل أن يلاحظ المرضى ذلك بأنفسهم. ويؤكّد المركز أنّ المشاركة في هذه التجربة السريرية طوعية، وأنّه يستخدم أسماء مستعارة للبيانات المجمّعة.
تخضع البيانات المجمّعة لـ"القانون العام لحماية البيانات" (GDPR) الأوروبي المطبّق في إمارة ليشتنشتاين، وتُحظر الدراسة بموجب إحدى قواعدها العامّة معالجة البيانات البيومترية بغرض تحديد هوية الشخص على نحو فريد، ما لم يقدّم الأخير موافقة صريحة على عملية المعالجة هذه، كما تشير الإمارة إلى أنّها لا تمتلك حقّ الوصول إلى بيانات البحث بالرغم من أنّه مموّل من الحكومة. ومع ذلك، يجب أن نحرص على عدم إغفال مبادئ حماية البيانات الحيوية أو تخطّيها، مثل ضرورة أخذ موافقة المستخدمين الصريحة، والتقليل من البيانات المجمّعة، والتزام الشفافية، والحفاظ على أمن البيانات. ويجب استخدام البيانات الطبية الشخصية التي تُجمع من الأجهزة القابلة للارتداء وعمليات التعلّم الآلي بطريقة يمكن للمرضى فهمها والموافقة عليها، كما يجب حذفها عندما لا تكون هناك حاجة إليها.
مراقبة مكان العمل من أجل فرض التباعد الاجتماعي
أظهر الكثير من أصحاب العمل اهتماماً كبيراً في إلزام الموظفين بارتداء أساور إلكترونية في أماكن العمل، بهدف التخفيف من المخاطر عن طريق فرض التباعد الاجتماعي.
بدأ ميناء أنتويرب في بلجيكا باستخدام الأساور الإلكترونية لتطبيق قواعد التباعد الاجتماعي في مكان العمل بحيث ينبغي لأيّ اثنين من العمّال الإبقاء على مسافة محدّدة بينهما. تستخدم هذه الأجهزة القابلة للارتداء التي تنتجها شركة "رومبيت" (Rombit) الهولندية تقنيتا البلوتوث والنطاق فائق العرض (ultra-wideband) لإطلاق إشارات تحذير عند اقتراب العمّال من بعضهم البعض لمسافة محدّدة.
لا تقتصر الوظائف التشغيلية لهذه الأساور على فرض التباعد الاجتماعي، فبما أنّها مزوّدة بتقنية البلوتوث يمكنها كذلك السماح بتعقّب الاختلاط وتخزين البيانات المجمّعة لهذا الغرض على مخدمات شركة "رومبيت". مع الانتشار الواسع للمراقبة التي يمارسها أصحاب العمل على العمّال، يمكن أن يُساء استخدام سجلّات التفاعل بين العمّال لعدّة أهداف ليس أقلّها اختراق النقابات ومراقبة العمّال للحدّ من "فترات التوقّف غير المخطّط لها".
قد لا يكون ارتداء أساور التتبّع في أماكن العمل إلزامياً في معظم الأماكن (بعد)، ولكن يبقى هناك شكّ في أن يُتاح للعمّال خيار ارتدائها من عدمه حالما يفرضها أصحاب العمل، خصوصاً إذا ما هُدّد العمّال بمصدر رزقهم. في هذا السياق، يشير "القانون العام لحماية البيانات" الأوروبي إلى أنّه في حال كان هناك اختلال واضح بين الشخص موضوع تجميع البيانات والجهة المتحكمة بالبيانات، فإنّ الموافقة لا يمكن أن تُمنح بحرّية. ويعني ذلك أنّ لا أساس قانونياً للموافقة على معالجة البيانات عندما لا يمتلك الموظّف خياراً حقيقياً، أو حين يشعر بأنّه مضطرّ للموافقة، أو أنّه سيتحمل عواقب سلبية إذا لم يوافق.
تعقّب القرب بواسطة الأجهزة القابلة للارتداء
تعرب "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF) عن قلقها بشأن تطبيقات المحمول لتعقّب القرب التي تعتمد على البلوتوث، خصوصاً وأنّ عملية التتبّع التلقائي هذه يمكن أن تنتقل من الهواتف إلى الأجهزة القابلة للارتداء. أفادت وكالة "رويترز" في تقرير لها أنّ حكومة سنغافورة تعمل على تحويل تقنيتّها المركزية لتتبّع أثر مخالطي مرضى الفيروس من التطبيق الهاتفي الحالي "تريس توغذر" (TraceTogether) (الذي يستخدم البلوتوث لاكتشاف الهواتف الذكية الأخرى وتسجيل مدى القرب منها)، نحو اعتماد جهاز جديد قابل للارتداء، مستقلّ ومركزيّ، باسم "تريس توغذر توكِن" (TraceTogether Token). هذا الجهاز الجديد الذي تخطّط الحكومة لتوزيعه على 5.7 ملايين مقيم في البلد، يستخدم تقنية مشابهة لتقنية تطبيق "تريس توغذر"، ولكنّه لن يعتمد على امتلاك المستخدمين أو حملهم لهاتف ذكي، كما سيعمل على تعقّب القرب بين المستخدمين مثلما يفعل التطبيق (وليس مواقعهم الجغرافية).
وأشار موقع "موبايل هيلث نيوز" (MobiHealth News) إلى أنّ المصابين بفيروس كوفيد-19 فقط هم من سيُطلب منهم إرسال الأجهزة القابلة للارتداء الخاصّة بهم إلى وزارة الصحّة من أجل تحميل بيانات الاختلاط إلى مخدم مركزيّ. تعارض "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF) هذا النوع من النهج المركزي في تعقّب الاختلاط تلقائياً، سواء عن طريق أدوات مثل الهاتف أو التطبيقات أو عن طريق الأجهزة القابلة للارتداء. لا توجد معلومات كثيرة حول تفاصيل عمل الجهاز السنغافوري، والتقارير الصحافية لم تؤكّد ما إذا كانت الرموز الرقمية (توكِن) في الجهاز القابل للارتداء ستكون متداخلة مع تطبيق "تريس توغذر". وبالتالي، إذا فعلت الحكومة ذلك، وهذا هو المرجّح، فهذا يعني استمرارها بجمع كمّيات كبيرة من البيانات الحسّاسة حول شبكة علاقات الاشخاص وارتباطاتهم، وتحميل هذه المعلومات إلى مخدم مركزي باستمرار.
يجمع تطبيق" تريس توغذر" المركزي بيانات تربط معرّفات الجهاز بمعلومات اتّصال حقيقية مثل أرقام الهاتف، ما يعني إمكانية استخدام هذه الأرقام من قبل الحكومة لتحديد الأفراد الذين اختلطوا ببعضهم البعض. يشير هذا الأمر في حال حدوثه إلى عدم توافق تطبيق "تريس توغذر" مع الأنظمة اللامركزية للإبلاغ عن التعرّض للفيروس مثل الواجهة البرمجية (API) التي أطلقها كلّ من "غوغل" و"آبل" حيث يتلقّى الأشخاص المخالطين لشخص مصاب إشعاراً بذلك فقط من دون أن تغادر البيانات المحدّدة للهوية أجهزة الأشخاص المصابين، وحيث لا يوجد مخدم مركزيّ يحمّل الأشخاص بياناتهم عليه. تعارض "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF) هذه الميزة المركزية في التطبيق السنغافوري، وستعارض أيضاً الميزة نفسها في حال شكّلت جزءاً من نظام التوكِن في الجهاز القابل للارتداء.
وبما أنّ نظام التوكِن سيكون عبارة عن جهاز أحاديّ الغرض، من الممكن أن لا يمتلك المستخدمون القدر نفسه من السيطرة على طريقة عمله. ويعود ذلك لأنّهم قد لا يستطيعون إيقاف السوار الإلكتروني عن بثّ المعلومات وجمعها، على عكس الهاتف حيث يمكنهم إيقاف تشغيل البلوتوث في أيّ وقت.
وأخيراً، هناك نقطة ضعف في أنظمة الإبلاغ عن التعرّض للفيروس القائمة على تطبيقات الهاتف تكمن في أنّ الكثير من الأشخاص لا يمتلكون هواف ذكية، خصوصاً في الدول النامية أو المدن الصغيرة أو المناطق الريفية. في المقابل، فإنّ السماح للمستخدمين بالاختيار بين استخدام التوكِن في الأجهزة القابلة للارتداء أو التطبيق الهاتفي (أو عدم استخدام كليهما) يمكن أن يرفع من معدّلات المشاركة. وتجدر الإشارة إلى أنّ هذه الأنظمة تبقى غير مثبتة الفعالية في المساعي المبذولة لاحتواء الفيروس، خصوصاً في المناطق الريفية، ولذلك يجب أن تكون مكمّلة لإجراءات سلطات الصحة العامّة الأساسية مثل إجراء الفحوص على نطاق واسع وتعقّب الاختلاط يدوياً، كما يجب أن يكون لكلّ شخص الحقّ في عدم ارتداء توكِن للتبّع وإزالته من معصمه متى شاء.
التطبيقات والأجهزة القابلة للارتداء الإلزامية لمراقبة التزام المرضى بأوامر الحجر الصحّي
بدأ بعض البلدان بفرض إلزامية استخدام التطبيقات الهاتفية والأساور الإلكترونية التي تتبّع المرضى، وذلك في إطار جهودها لفرض أوامر الحجر الصحّي على الأشخاص المصابين بفيروس كوفيد-19 أو المشكوك بإصابتهم به؛ وهذا النوع من المراقبة القسرية المستندة فقط إلى العدوى تعارضه "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF). في البحرين، يُفرض على الأشخاص في الحجر الصحّي تنزيل تطبيق "مجتمع واعي" (BeAware) لتعقّب الاختلاط الذي تفرضه الحكومة، وتشغيل البلوتوث على الهاتف، وتشغيل الإنترنت باستمرار، بالإضافة إلى تحديد الموقع الجغرافي لمكان الحجر الصحّي. وتفرض الحكومة كذلك على الأشخاص في الحجر الصحّي ارتداء أساور تعمل بنظام تحديد المواقع العالمي "جي بي إس" لتتبّع أماكن وجودهم وربط البيانات بالتطبيق، في حين تطلب من مستخدمي هواتف "أيفون" تشغيل إعدادات "السماح بالوصول إلى التطبيقات" على نحو دائم. في حال اكتشف النظام ابتعاد السوار عن الهاتف لمسافة 15 متراً فإنّه يرسل إشعاراً إلى محطّة المراقبة الحكومية، ويمكن للحكومة أن تطل كذلك من المرضى التقاط صور سيلفي شخصية في أيّ وقت بطريقة يظهر فيها الوجه والسوار في الإطار نفسه. وإذا حاول الشخص إزالة السوار الإلكتروني أو التلاعب به فقد يُعاقب بدفع غرامة باهظة أو بالسجن لمدّة لا تقلّ عن ثلاثة أشهر.
بالطريقة نفسها، تطلب الكويت من الأفراد الذين يعودون من خارج البلاد ارتداء أساور إلكترونية للتتبّع ترتبط بالتطبيق الرسمي لتعقّب الاختلاط في البلاد الذي يُعرف باسم "شلونك" (Shlonik)، وتبلغ مسؤولي الصحّة العامّة في حال بدا أنّ الأشخاص في الحجر الصحّي يحاولون خرق هذا الحجر. طُوّر التطبيق الكويتي من قبل شركة الاتّصالات الكويتية العملاقة "زين" (Zain) التي سبق لها أن عملت في عام 2016 مع وزارة الأوقات والشؤون الإسلامية على توزيع أساور وشرائح هاتف لمراقبة حوالي 8 آلاف حاج كويتي خلال موسم الحجّ في مكّة. وكما هي الحال في البحرين، تفرض الكويت استخدام السوار الإلكتروني الجديد عن طريق طلب صور سيلفي شخصية من المستخدمين، وفي حال المخالفة يواجه المستخدمون خطر نقلهم إلى منشأة حكومية للحجر الصحي بالإضافة إلى مواجهة إجراءات القانونية أخرى.
كما سبق وقلنا، يقوّض إكراه الأشخاص على تنزيل تطبيق ما واستخدامه قدرتهم على التحّكم في هواتفهم والبيانات التي تشاركها، ما يقوَض بالتالي حقّهم في تقرير مصيرهم المعلوماتي. ولذلك، يجب على الحكومات ألّا تجبر الأشخاص على التخلّي عن سيطرتهم على هواتفهم وبياناتهم. بالإضافة إلى ذلك، ينطوي إكراه الأشخاص على استخدام تطبيقات محدّدة على ثغرات أمنية كبيرة ويزيد من الضرر الذي يلحق بخصوصيتهم وأمن البيانات الخاصّة بهم. كما أنّ اتّباع نهج عقابي في عملية احتواء الفيروس يمكن أن يُفقد الناس ثقتهم بهذه الإجراءات، ما يؤدّي بالتالي إلى إلحاق الضرر بالصحة العامة، مثل إمكانية أن يتجنّب الأشخاص فحوص الكشف عن الفيروس في حال كانوا يخشون العواقب المترتّبة على تأكيد إصابتهم بالعدوى.
من ناحية أخرى، تتّجه بعض الحكومات إلى استخدام أساور الكاحل الإلكترونية، مثل أستراليا وولايتين أميركيتين. ولكنّ هذا النوع من الأساور الذي أعيد توظيفه في عملية إنفاذ أوامر الحجر الصحّي كان يُستخدم في مراقبة الأفراد الذين يُعتبر أنّهم يشّكلون خطراً على المجتمع و/أو الطيران، وذلك في فترات ما قبل المحاكمة والإفراج المشروط أو خلال فترة وضعهم تحت المراقبة.
في ولاية أستراليا الغربية، حصلت الشرطة على 200 سوار إلكتروني للكاحل مزوّد بنظام "جي بي إس" بموجب قانون الاستجابة لفيروس كوفيد-19، وذلك لإمكانية فرض استخدامها على الأشخاص الذين لا يلتزمون بأوامر الحجر الصحّي. ويمكن أن تؤدّي العقوبات الناجمة عن عدم الامتثال لأوامر ارتداء أساور الكاحل، أو عن محاولة التلاعب بها، إلى سجن المتّهم لمدّة تصل إلى 12 شهراً وتغريمه بمبلغ يفوق 10 آلاف دولار أسترالي (ما يوازي 6,981 دولار أميركي).
وفي ولايتي كنتاكي وفرجينيا الغربية الأميركيتين، فرضت المحاكم ارتداء أساور الكاحل الإلكترونية المزوّدة بنظام "جي بي إس" على الأفراد الذين يرفضون الخضوع لإجراءات الحجر الصحّي بعد تأكيد الفحص لإصابتهم بفيروس كوفيد-19.
تثير أساور الكاحل الإلكترونية المزوّدة بنظام "جي بي إس" سلسلة من المخاوف، فهي تمثّل تدخّلاً خطيراً في خصوصية الأفراد وحريتهم الشخصية. كما أنّ هذه الأساور، في كثير من الأحيان، تكون غير مريحة للشخص المجبر على ارتدائها، وتقيّد نطاق حركته، كما يمكن أن يُطلب إليه أن يدفع ثمنها بنفسه. وعليه، فإنّ هذا النوع من المراقبة لفرض الالتزام بالحجر الصحّي لا تبرّره إصابة الشخص بالفيروس أو اعتباره معرّضاً لخطر الإصابة بالعدوى.
الأساور الإلكترونية ذات التقنية البسيطة لإنفاذ أوامر الحجر الصحي
تستخدم السلطات في هونغ كونغ فئة أخرى من الأساور لفرض الحجر الصحّي، بحيث يحصل الأفراد الذي يخضعون لإجراءات الحجر الصحّي لمدّة 14 يوماً، مثل الوافدين من الخارج، على أساور تحمل رمز استجابة سريعة (QR code) فريداً. يسجّل المستخدمون أساورهم عبر التطبيق الرسمي لتعقّب أثر مخالطي مرضى كورونا، ثمّ يطلب التطبيق منهم السير حول محيط سكنهم بطريقة تمكّنه من جمع "توقيع" فريد يتكوّن من إشارات مختلفة مثل الوايفاي والبلوتوث وغيرها من الإشارات القابلة للاكتشاف في المنزل. وفي حال اصطحبوا الهاتف إلى خارج ذلك المحيط "المؤطّر جغرافياً"، سيطلق التطبيق صوتاً لا يمكن إيقافه إلّا عبر إجراء مسح ضوئي لرموز الاستجابة السريعة الموجودة على سوار كلّ فرد من أفراد الأسرة. يُتوقّع كذلك من كلّ شخص يرتدي السوار أن يجري باستمرار مسحاً ضوئياً للرموز الموجودة على سواره، وفي حال عدم الامتثال يخضع الأشخاص لعقوبات قاسية تصل إلى السجن لمدّة تصل إلى 6 أشهر بالإضافة إلى دفع غرامات مالية. وفي سياق متّصل، أفادت بعض التقارير بأنّ ماليزيا تعتزم استخدام تقنية مماثلة تستند إلى أساور رمز الاستجابة السريعة.
لا تقتصر أساور المراقبة على قطعة الورق التي تحمل رمز استجابة سريعة وحسب، فهذه الأساور ذات التقنية البسيطة تُعتبر حالة مثيرة للاهتمام بحدّ ذاتها، خصوصاً وأنّ رمز الاستجابة السريعة ليس إلّا صورة يسهل نسخها ولا تتضمّن أيّ إلكترونيات على الإطلاق. قد يبدو هذا الأمر محموداً نسبياً عند مقارنته بالبدائل التدخّلية من الناحية التكنولوجية، ولكنّ هذا النوع من الأساور غير الإلكترونية وذات التقنية البسيطة مع الرمز الفريد الذي تحمله، يمكن أن يلعب دوراً هاماً في تطبيع البشر مع الأنواع الجديدة من المراقبة.
خاتمة
تنتشر تقنيات المراقبة هذه سريعاً وسط الأزمة، مثلما هي الحال مع الكثير من الإجراءات المتّبعة للتخفيف من حدّة انتشار وباء كوفيد-19. ولكن، في حين يرى المؤيّدون أنّ ما يفعلونه يُعتبر خطوة مطلوبة وملحّة، يجب على الحكومات أن تبدأ بتبيان فعّالية كلّ تقنية من هذه التقنيات، وإيجاد حلول للمخاوف بشأن الحقوق الرقمية التي أثارتها "مؤسسة التخوم الرقمية" (EFF) في مواضيع مثل تطبيقات تعقّب القرب وحقّ المرضى في الخصوصية خلال الحجر الصحّي. قد تؤدّي أدوات المراقبة التدخّلية المستخدمة حالياً إلى تطبيع الأفراد مع عملية مراقبتهم من قبل الحكومات والكيانات الخاصّة على السواء، وإلى تمسّك الحكومات بالسلطات الجديدة التي فرضتها خلال حالات الطوارئ، فهي نادراً ما تهدر "الفرصة الناتجة عن الأزمة" حسبما يعلّمنا التاريخ. بالإضافة إلى ذلك، قد تخلّف هذه التقنيات مخاطر متنوّعة حول الخصوصية والأمن تطال الأشخاص الذين يُجبرون على ارتداء أجهزة لمراقبة إصابتهم بفيروس كوفيد-19. وبالإضافة إلى هذه المخاطر المباشرة، من الضروري أيضاً النظر في الآثار طويلة الأمد الناتجة عن أساور التتبّع، بما في ذلك الآثار الثقافية، إذ لا ينبغي أن يكون من الطبيعي أن يتتبّعك أحدهم في كلّ مكان أو أن تثبت له موقعك الجغرافي في كلّ زمان.